فصل: (الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ (أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): شُرُوطِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ:

(يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ):

.(أَحَدُهَا: الْوَقْتُ):

لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فَاشْتُرِطَ لَهَا كَبَقِيَّةِ الْمَفْرُوضَاتِ (فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْوَقْتِ.
(وَلَا بَعْدَهُ) إجْمَاعًا (وَأَوَّلُهُ) أَيْ أَوَّلِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ (أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ نَصًّا) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيِّ قَالَ شَهِدْت الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتهَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتهَا مَعَ عُثْمَانَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ: قَدْ زَالَ النَّهَارُ فَمَا رَأَيْت أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةُ عِيدٍ، أَشْبَهَتْ الْعِيدَيْنِ (وَتُفْعَلُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا قَبْلَ الزَّوَالِ (جَوَازًا أَوْ رُخْصَةً وَتَجِبُ بِالزَّوَالِ) ذَكَرَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْمَذْهَبَ.
(وَفِعْلُهَا بَعْدَهُ) أَيْ الزَّوَالِ (أَفْضَلُ) لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي الْجُمُعَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ، ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
(وَآخِرُهُ) أَيْ آخِرِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ (آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا، أَوْ وَاقِعَةٌ مَوْقِعَهَا.
فَوَجَبَ الْإِلْحَاقُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُشَابَهَةِ (فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ فِعْلِهَا) أَيْ الشُّرُوعِ فِيهَا (امْتَنَعَتْ الْجُمُعَةُ وَصَلَّوْا ظُهْرًا) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا (وَإِنْ خَرَجَ) وَقْتُ الْجُمُعَةِ (وَقَدْ صَلَّوْا) مِنْهَا (رَكْعَةً أَتَمُّوهَا جُمُعَةً) لِأَنَّ الْوَقْتَ إذَا فَاتَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِدْرَاكُهُ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فِي الِاسْتِدَامَةِ لِلْعُذْرِ، كَالْجَمَاعَةِ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ.
(وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ) أَنْ يُصَلُّوا (رَكْعَةً بَعْدَ التَّحْرِيمَةِ اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا) لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ، فَلَمْ تُبْنَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى كَالظُّهْرِ وَالصُّبْحِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا؟: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ إدْرَاكَهَا بِالرَّكْعَةِ (وَالْمَذْهَبُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ نَصًّا، وَقِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ (فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ الْخُطْبَتَيْنِ وَالتَّحْرِيمَةِ) لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ، وَقَدْ تَمَكَّنُوا مِنْهَا (أَوْ شَكُّوا فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ لَزِمَهُمْ فِعْلُهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ.

.(الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا بِقَرْيَةٍ مُجْتَمِعَةِ الْبِنَاءِ):

(بِمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْبِنَاءِ بِهِ، مِنْ حَجَرٍ أَوْ لَبِنٍ أَوْ طِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ شَجَرٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَتَبَ إلَى قُرَى عُرَيْنَةَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ» وَقَوْلُهُ: مُجْتَمِعَةُ الْبِنَاءِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: اعْتَبَرَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ اجْتِمَاعَ الْمَنَازِلِ فِي الْقَرْيَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَقَالَ أَيْضًا: مَعْنَاهُ مُتَقَارِبَةُ الِاجْتِمَاعِ وَالصَّحِيحُ: أَنَّ التَّفْرِيقَ إذَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا الْجُمُعَةُ زَادَ فِي الشَّرْحِ: إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ فَتَجِبُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ، وَيَتْبَعُهُمْ الْبَاقُونَ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَالْمَجْدُ فِي فُرُوعِهِ: وَرَبَضُ الْبَلَدِ لَهُ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ ا هـ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: مُجْتَمِعَةُ الْبِنَاءِ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ مُتَفَرِّقَةً بِمَا يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ (يَسْتَوْطِنُهَا أَرْبَعُونَ) فَأَكْثَرُ، وَلَوْ (بِالْإِمَامِ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا) أَيْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ.
لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى بِنَا الْجُمُعَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكُنَّا أَرْبَعِينَ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
وَقَالَ جَابِرٌ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةٌ وَأَضْحَى وَفِطْرٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيهِ ضَعْفٌ (اسْتِيطَانَ إقَامَةٍ لَا يَظْعَنُونَ) أَيْ يَرْحَلُونَ (عَنْهَا صَيْفًا وَلَا شِتَاءً) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الِاسْتِيطَانُ (فَلَا تَجِبُ) الْجُمُعَةُ (وَلَا تَصِحُّ مِنْ مُسْتَوْطِنٍ بِغَيْرِ بِنَاءٍ، كَبُيُوتِ الشَّعْرِ وَالْخِيَامِ وَالْخَرَاكِي وَنَحْوِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُقْصَدْ لِلِاسْتِيطَانِ غَالِبًا.
وَلِذَلِكَ كَانَتْ قَبَائِلُ الْعَرَبِ حَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهَا زَادَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ:
وَلَوْ اتَّخَذُوهَا أَوْطَانًا لِأَنَّ اسْتِيطَانَهُمْ فِي غَيْرِ بُنْيَانٍ (وَلَا) تَجِبُ وَلَا تَصِحُّ (فِي بَلَدٍ يَسْكُنُهَا أَهْلُهَا بَعْضَ السَّنَةِ دُونَ بَعْضٍ) لِعَدَمِ الْإِقَامَةِ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ: وَكَذَا لَوْ دَخَلَ قَوْمٌ بَلَدًا لَا سَاكِنَ بِهِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ بِهِ سَنَةً فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَلَوْ أَقَامَ بِبَلَدٍ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ وَأَهْلُهُ أَيْ الْبَلَدِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ فَلَا جُمُعَةَ أَيْضًا (أَوْ بَلَدٍ فِيهَا دُونَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ) فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، لِعَدَمِ صِحَّتهَا مِنْهُمْ (أَوْ) بَلَدٍ (مُتَفَرِّقَةٍ بِمَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ) أَيْ تَفَرُّقًا كَثِيرًا غَيْرَ مُعْتَادٍ.
(وَلَوْ شَمِلَهَا اسْمٌ وَاحِدٌ) لِعَدَمِ الِاجْتِمَاعِ (وَإِنْ خَرِبَتْ الْقَرْيَةُ أَوْ بَعْضُهَا، وَأَهْلُهَا مُقِيمُونَ بِهَا عَازِمُونَ عَلَى إصْلَاحِهَا فَحُكْمُهَا بَاقٍ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا) لِعَدَمِ ارْتِحَالِهِمْ أَشْبَهُوا الْمُسْتَوْطِنِينَ.
(فَإِنْ عَزَمُوا عَلَى النُّقْلَةِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْقَرْيَةِ الْخَرَابِ (لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لِعَدَمِ الِاسْتِيطَانِ وَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (فِيمَا قَارَبَ الْبُنْيَانَ مِنْ الصَّحْرَاءِ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ) فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا الْبُنْيَانُ لِقَوْلِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ، يُقَالُ لَهُ، نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ قَالَ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ رَجُلًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَسَنُ الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حَرَّةُ بَنِي بَيَاضَةَ عَلَى مِيلٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجَامِعِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إذَا صَلَّى فِي الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِالضَّعَفَةِ (وَلَا) تَصِحُّ الْجُمُعَةُ (فِيمَا بَعُدَ) عَنْ الْبُنْيَانِ، لِشَبَهِهِمْ إذَنْ بِالْمُسَافِرِينَ.
(وَلَا يُتَمَّمُ عَدَدٌ مِنْ مَكَانَيْنِ مُتَقَارِبَيْنِ) كَقَرْيَتَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عِشْرُونَ فَلَا تُتَمَّمُ الْجُمُعَةُ مِنْهُمَا وَلَوْ قَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُهُمَا اسْمٌ وَاحِدٌ أَشْبَهَتَا الْمُتَبَاعِدَيْنِ.
(وَلَا يَصِحُّ تَجْمِيعُ) عَدَدٍ (كَامِلٍ فِي) مَحَلٍّ (نَاقِصٍ) فِيهِ الْعَدَدُ (مَعَ الْقُرْبِ الْمُوجِبِ لِلسَّعْيِ) وَيَلْزَمُ التَّجْمِيعُ فِي الْكَامِلِ لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا وَعَدَمُ الصِّحَّةِ مَعَ الْبُعْدِ أَوْلَى.
(وَالْأَوْلَى مَعَ تَتِمَّةِ الْعَدَدِ فِيهَا) أَيْ الْمَكَانَيْنِ (تَجَمُّعُ كُلِّ قَوْمٍ) فِي قَرْيَتِهِمْ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إظْهَارِ الشِّعَارِ.
(وَإِنْ جَمَّعُوا فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ لِتَأْدِيَتِهِمْ فَرْضَهُمْ (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْجُمُعَةِ الْمِصْرُ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى قُرَى عُرَيْنَةَ «أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ» وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِالْبَحْرَيْنِ وَكَانَ عَامِلُهُ عَلَيْهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: جَمِّعُوا حَيْثُ كُنْتُمْ قَالَ أَحْمَدُ: إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.

.(الثَّالِثُ: حُضُورُ أَرْبَعِينَ):

(فَأَكْثَرَ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِالْإِمَامِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبٍ وَقَالَ أَحْمَدُ «بَعَثَ النَّبِيُّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ إلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ جَمَعَ بِهِمْ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ وَكَانَتْ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بِالْمَدِينَةِ» (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ) أَيْ الْأَرْبَعِينَ (خُرْسًا أَوْ صُمًّا) لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ وَ(لَا) تَصِحُّ (إنْ كَانَ الْكُلُّ كَذَلِكَ) أَيْ خُرْسًا أَوْ صُمًّا أَمَّا إذَا كَانُوا خُرْسًا مَعَ الْخَطِيبِ، فَلِفَوَاتِ الْخُطْبَةِ صُورَةً وَمَعْنًى فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا.
وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ صُمًّا فَلِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ مِنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا خُرْسًا إلَّا الْخَطِيبَ، أَوْ كَانُوا صُمًّا إلَّا وَاحِدًا يَسْمَعُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ (وَلَا تَنْعَقِدُ) الْجُمُعَةُ (بِأَقَلَّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَرْبَعِينَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَرُبَ الْأَصَمُّ) مِنْ الْخَطِيبِ (وَبَعُدَ مَنْ يَسْمَعُ) بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ (لَمْ تَصِحَّ) لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ.
(وَلَوْ رَأَى) أَيْ اعْتَقَدَ (الْإِمَامُ اشْتِرَاطَ عَدَدٍ فِي الْمَأْمُومِينَ فَنَقَصَ عَنْ ذَلِكَ) الْعَدَدِ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ) لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهَا.
(وَلَزِمَهُ) أَيْ الْإِمَامَ (اسْتِخْلَافُ أَحَدِهِمْ) لِيُصَلِّيَ بِهِمْ لِيُؤَدُّوا فَرْضَهُمْ (وَلَوْ رَآهُ) أَيْ الْعَدَدَ (الْمَأْمُومُونَ دُونَ الْإِمَامِ، لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمَا) أَمَّا الْإِمَامُ فَلِعَدَمِ مَنْ يُصَلِّي مَعَهُ.
وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَلِاعْتِقَادِهِمْ بُطْلَانَ جُمُعَتِهِمْ (فَإِنْ نَقَصُوا) عَنْ الْأَرْبَعِينَ (قَبْلَ إتْمَامِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (اسْتَأْنَفُوا ظُهْرًا نَصًّا) وَلَمْ يُتِمُّوهَا جُمُعَةً لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَاعْتُبِرَ فِي جَمِيعِهَا، كَالطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْ الْمَسْبُوقِ تَبَعًا، كَصِحَّتِهَا لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ تَبَعًا لِمَنْ حَضَرَهَا وَمَا وَرَدَ أَنَّهُ «بَقِيَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانُوا فِي الصَّلَاةِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ: الْمُرَادُ فِي انْتِظَارِهَا كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ الْخُطْبَةَ أَوْ مَكَانَهَا، لِمَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد «أَنَّ خُطْبَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ كَانَتْ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا انْفَضُّوا لِظَنِّهِمْ جَوَازَ الِانْصِرَافِ» قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُمْ انْفَضُّوا لِقُدُومِ التِّجَارَةِ لِشِدَّةِ الْمَجَاعَةِ، أَوْ ظَنِّ خُطْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ فَرَغَتْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُحْمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا فَحَضَرُوا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ (إنْ لَمْ يُمْكِنْ فِعْلُ الْجُمُعَةِ مَرَّةً أُخْرَى) فَإِنْ أَمْكَنَ فَعَلُوهَا لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ (وَإِنْ نَقَصُوا وَبَقِيَ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ، أَتَمُّوا جُمُعَةً سَوَاءٌ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَوْ لَحِقُوهُمْ قَبْلَ نَقْصِهِمْ) بِلَا خِلَافٍ، كَبَقَائِهِ مِنْ السَّامِعِينَ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي، وَكَذَا جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ: خِلَافُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَإِنْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» رَوَاه الْأَثْرَمُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ «فَلْيَصِلْ إلَيْهَا أُخْرَى» قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هَذَا خَطَأٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: لَا يَصِحُّ.
(وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ أَتَمَّهَا ظُهْرًا) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ بِخِلَافِ إدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ إلْزَامٍ وَهَذَا إدْرَاكُ إسْقَاطٍ لِلْعَدَدِ، وَبِخِلَافِ جَمَاعَةِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا وَيَصِحُّ دُخُولُهُ مَعَ الْإِمَامِ، بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ بِإِحْرَامِهِ فَلِهَذَا قَالَ: (إذَا كَانَ قَدْ نَوَى الظُّهْرَ وَدَخَلَ وَقْتُهَا) لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ ابْتِدَاءً فَكَذَا اسْتِدَامَةٌ كَالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ نَوَاهَا ظُهْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ وَقْتُهَا (انْعَقَدَتْ نَفْلًا) كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ (وَلَا يَصِحُّ إتْمَامُهَا جُمُعَةً) لِعَدَمِ إدْرَاكِهِ لَهَا بِدُونِ رَكْعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ) بِالْجُمُعَةِ (مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ) بِالْأَرْضِ (أَوْ نَسِيَهُ) أَيْ تَأَخَّرَ بِالسُّجُودِ نِسْيَانًا لَهُ (ثُمَّ ذَكَرَ) بَعْدَ أَنْ أَخَذَ الْقَوْمُ مَوَاضِعَ سُجُودِهِمْ وَاحْتَاجَ لِمَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ (لَزِمَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ مَتَاعِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظُهْر أَخِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَسَعِيدٌ وَهَذَا قَالَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ وَلِأَنَّهُ يَأْتِي بِمَا يُمْكِنُهُ حَالَ الْعَجْزِ فَوَجَبَ وَصَحَّ كَالْمَرِيضِ.
(وَلَوْ احْتَاجَ إلَى مَوْضِعِ يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهَا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ) لِلْإِيذَاءِ بِخِلَافِ الْجَبْهَةِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ سُجُودٌ إلَّا بِوَضْعِ يَدَيْهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ انْتَظَرَ زَوَالَ الزِّحَامِ (وَسَجَدَ إذَا زَالَ الزِّحَامُ) وَتَبِعَ إمَامَهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ فِي صَلَاةِ عُسْفَانَ لِلْعُذْرِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَالْمُفَارَقَةُ وَقَعْت صُورَةً لَا حُكْمًا فَلَمْ تُؤَثِّرْ.
(وَكَذَا لَوْ تَخَلَّفَ) بِالسُّجُودِ (لِمَرَضٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ الْأَعْذَارِ (فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ فَوَاتُ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) لَوْ سَجَدَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لَحِقَ، الْإِمَامُ (تَابَعَ إمَامَهُ فِي ثَانِيَتِهِ وَصَارَتْ أُولَاهُ، وَأَتَمَّهَا جُمُعَةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا» وَلِأَنَّهُ مَأْمُومٌ خَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ فَلَزِمَهُ الْمُتَابَعَةُ كَالْمَسْبُوقِ (فَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ عَمْدًا وَمُتَابَعَتُهُ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَتَرْكُ الْوَاجِبِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا وِفَاقًا.
(وَإِنْ جَهِلَهُ) أَيْ تَحْرِيمَ عَدَمِ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ (وَسَجَدَ) لِنَفْسِهِ (ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ، أَتَى بِرَكْعَةٍ أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ إمَامِهِ (وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُ) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْهَا مَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ، وَهُوَ رَكْعَةٌ لِإِتْيَانِهِ بِسُجُودٍ مُعْتَدٍّ بِهِ.
وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ إدْرَاكُ مَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ، إذَا أَتَى بِبَاقِي الرَّكْعَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَلَا تُعْتَبَرُ رَكْعَةٌ بِسَجْدَتِهَا مَعَهُ (فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ) بَعْدَ أَنْ سَجَدَ لِنَفْسِهِ (حَتَّى سَلَّمَ) الْإِمَامُ (اسْتَأْنَفَ ظُهْرًا سَوَاءٌ زُحِمَ عَنْ سُجُودِهَا أَوْ رُكُوعِهَا أَوْ عَنْهُمَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ.
(وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ) أَيْ الْمَزْحُومِ وَنَحْوِهِ (الْفَوْتُ) أَيْ فَوْتُ الثَّانِيَةِ إنْ سَجَدَ لِنَفْسِهِ (فَتَابَعَ إمَامَهُ فِيهَا، ثُمَّ طَوَّلَ) الْإِمَامُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ سَجَدَ لِنَفْسِهِ لَلَحِقَهُ (أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ الْفَوْتِ) فَسَجَدَ لِنَفْسِهِ (فَبَادَرَ الْإِمَامُ فَرَكَعَ) فَلَمْ يُدْرِكْهُ (لَمْ يَضُرَّهُ فِيهِمَا) لِإِجْرَاءِ الظَّنِّ مَجْرَى الْيَقِينِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ فِيهِ.
(وَلَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ، فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ) وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، فَلَمَّا قَامَ لِيَقْضِيَ الْأُخْرَى ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ مَعَ إمَامِهِ إلَّا وَاحِدَةً، أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ رَجَعَ لِلْأُولَى فَأَتَمَّهَا وَقَضَى الثَّانِيَةَ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَإِنْ كَانَ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ بَطَلَتْ الْأُولَى، وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ أُولَاهُ وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً عَلَى مَا نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَقِيَاسُ مَا سَبَقَ فِي الْمَزْحُومِ: لَا يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ وَلَوْ قَضَى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ إحْدَاهُمَا لَا يَدْرِي مِنْ أَيِّهِمَا تَرَكَهَا؟ فَالْحُكْمُ وَاحِدٌ وَيَجْعَلُهَا مِنْ الْأُولَى وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَفِي كَوْنِهِ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَجْهَانِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ بِمَعْنَاهُ.

.(الرَّابِعُ) مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ (أَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وَالذِّكْرُ هُوَ الْخُطْبَةُ فَأَمَرَ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا فَيَكُونُ وَاجِبًا إذْ لَا يَجِبُ السَّعْيُ لِغَيْرِ وَاجِبٍ، وَلِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَعَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ «قُصِّرَتْ الصَّلَاةُ مِنْ أَجْلِ الْخُطْبَةِ» فَهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ فَالْإِخْلَالُ بِإِحْدَاهُمَا إخْلَالٌ بِإِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَاشْتُرِطَ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى الصَّلَاةِ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُمَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ، أَوْ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِمَعَايِشِهِمْ فَقُدِّمَا لِأَجْلِ التَّدَارُكِ (بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ) أَيْ وَقْتِ الْجُمُعَةِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا (مِنْ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُمَا بَدَلٌ مِنْ رَكْعَتَيْنِ (وَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَانِ (بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلَا يُقَالُ إنَّهُمَا بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ (مِنْ الظُّهْرِ) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ، بَلْ الظُّهْرُ بَدَلًا عَنْهَا إذَا فَاتَتْ (وَلَا بَأْسَ بِقِرَاءَتِهِمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (مِنْ صَحِيفَةٍ وَلَوْ لِمَنْ يُحْسِنُهُمَا، كَقِرَاءَةِ) الْفَاتِحَةِ (مِنْ مُصْحَفٍ) وَلِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالشَّرْطِ هُنَا: مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا (حَمِدَ اللَّهَ بِلَفْظِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) فَلَا يُجْزِئُ غَيْرُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مُرْسَلًا.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَشَهَّدَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ» (وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرْت إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرْت إلَى ذِكْرِ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ، أَوْ يَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَوْجَبَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ إيمَانٌ بِهِ، وَالصَّلَاةُ دُعَاءٌ لَهُ وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي خُطْبَتِهِ، وَعَمَلًا بِالْأَصْلِ.
(وَلَا يَجِبُ السَّلَامُ عَلَيْهِ مَعَ الصَّلَاةِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ (وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) كَامِلَةٍ لِقَوْلِ جَابِرٍ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ آيَاتٍ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَلِأَنَّهُمَا أُقِيمَا مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ وَالْخُطْبَةُ فَرْضٌ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ كَالصَّلَاةِ، وَلَا تَتَعَيَّنُ آيَةٌ قَالَ أَحْمَدُ: يَقْرَأُ مَا شَاءَ وَلَا يُجْزِئُ بَعْضُ آيَةٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا دُونَهَا حُكْمٌ، بِدَلِيلِ، عَدَمِ مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهُ.
(وَلَوْ) كَانَتْ الْخُطْبَةُ (مِنْ جُنُبٍ مَعَ تَحْرِيمهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا) أَيْ الْآيَةِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فِي الْخُطْبَةِ.
(قَالَ) أَسْعَدُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةً لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ كَقَوْلِهِ {ثُمَّ نَظَرَ} وَ{مُدْهَامَّتَانِ} (لَمْ يَكْفِ وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى) لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ.
(قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يَتَعَيَّنُ لَفْظُهَا) أَيْ الْوَصِيَّةِ (وَأَقَلُّهَا: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ، وَنَحْوُهُ انْتَهَى) وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْمَوْتِ وَذَمُّ الدُّنْيَا وَلَا بُدَّ أَنْ يُحَرِّكَ الْقُلُوبَ وَيَبْعَثُ بِهَا إلَى الْخَيْرِ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى «أَطِيعُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا مَعَاصِيَهُ» فَالْأَظْهَرُ لَا يَكْفِي.
وَلَوْ كَانَ فِيهِ وَصِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اسْمِ الْخُطْبَةِ عُرْفًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَمُوَالَاةٌ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ (وَبَيْنَ أَجْزَائِهِمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ) فَلَا يُفْصَلُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَلَا بَيْنَ أَجْزَائِهِمَا وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ فَصْلًا طَوِيلًا (وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ قُرْبُ الْمِنْبَرِ مِنْ الْمِحْرَابِ، لِئَلَّا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ.
(وَ) بَيْنَ (الصَّلَاةِ) فَيُبْطِلُهَا (فَتُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدُ) لِلَّهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» (ثُمَّ بِالثَّنَاءِ) عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ) وَفِي عَطْفِهِ عَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ مُغَايَرَةٌ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ فِي الْمُغَايَرَةِ أَوْ يُرَادُ الثَّنَاءُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْحَمْدِ أَوْ يُرَادُ بِهِ التَّشَهُّدُ لِحَدِيثِ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» أَيْ قَلِيلَةِ الْبَرَكَةِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِ بَعْضِهِمْ تَخْصِيصَهُ بِخُطْبَةِ النِّكَاحِ (ثُمَّ الصَّلَاةُ) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا لَك ذِكْرَك} ثُمَّ بِالْقِرَاءَةِ (ثُمَّ بِالْمَوْعِظَةِ) وَلَوْ قَرَأَ مَا تَضَمَّنَ الْحَمْدَ وَالْمَوْعِظَةَ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَى عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ أَحْمَدَ: لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَةٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ: لَا تَكُونُ خُطْبَةً إلَّا كَمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ خُطْبَةً تَامَّةً قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ (فَإِنْ نَكَّسَ) بِأَنْ قَدَّمَ غَيْرَ الْحَمْدِ عَلَيْهِ (أَجْزَأَهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(وَ) مِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ (النِّيَّةُ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَرَفْعُ الصَّوْتِ، بِحَيْثُ يُسْمِعَ الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ إنْ لَمْ يَعْرِضْ مَانِعٌ) مِنْ السَّمَاعِ كَنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ صَمَمِ بَعْضِهِمْ (فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا) الْخُطْبَةَ (لِخَفْضِ صَوْتِهِ أَوْ بُعْدِهِ) عَنْهُمْ (لَمْ تَصِحَّ) الْخُطْبَةُ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهَا.
(وَإِنْ كَانَ) عَدَمُ السَّمَاعِ (لِنَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ) كَصَمَمِ بَعْضِهِمْ (صَحَّتْ) لِأَنَّهُمْ فِي قُوَّةِ السَّامِعِينَ (وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ طُرْشًا) صَحَّتْ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِنْ كَانُوا صُمًّا فَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ تَصِحُّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ لَا انْتَهَى.
وَالثَّانِي جَزَمَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، لِعَدَمِ حُصُولِ مَقْصُودِ الْخُطْبَةِ (أَوْ) كَانُوا (عَجَمًا وَهُوَ) أَيْ الْخَطِيبُ (سَمِيعٌ عَرَبِيٌّ لَا يَفْهَمُونَ قَوْلَهُ صَحَّتْ) الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ.
(وَإِنْ انْفَضُّوا) أَيْ الْأَرْبَعُونَ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْ الْخَطِيبِ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ (سَكَتَ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (فَإِنْ عَادُوا قَرِيبًا بَنَى) عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ الْفَصْلَ الْيَسِيرَ غَيْرُ ضَارٍّ (وَإِنْ كَثُرَ التَّفَرُّقُ عُرْفًا أَوْ فَاتَ رُكْنٌ مِنْهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (اسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ) لِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ لَكِنْ لَوْ فَاتَ رُكْنٌ وَلَمْ يَطُلْ التَّفْرِيقُ كَفَاهُ إعَادَتُهُ.
(وَلَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ (كَقِرَاءَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَتَقَدَّمَ (وَتَصِحُّ) الْخُطْبَةُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ (مَعَ الْعَجْزِ) عَنْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا الْوَعْظُ وَالتَّذْكِيرُ وَحَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ لَفْظِ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ دَلِيلُ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَةُ الرِّسَالَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ (غَيْرَ الْقِرَاءَةِ) فَلَا تُجْزِئُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (وَجَبَ بَدَلَهَا ذِكْرٌ) قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ.
(وَ) مِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ (حُضُورُ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ، وَهُوَ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ لِسَمَاعِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ اُشْتُرِطَ لِلصَّلَاةِ، فَاشْتُرِطَ لَهُ الْعَدَدُ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
(وَسَائِرُ) أَيْ بَاقِي (شُرُوطِ الْجُمُعَةِ) وَمِنْ ذَلِكَ صَلَاحِيَّتُهُ لَأَنْ يَؤُمَّ فِي الْجُمُعَةِ وَالِاسْتِيطَانُ فَلَوْ كَانَ أَرْبَعُونَ مُسَافِرِينَ فِي سَفِينَةٍ فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ قَرْيَتِهِمْ خَطَبَهُمْ أَحَدُهُمْ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ وَوَصَلُوا الْقَرْيَةَ عِنْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ اسْتَأْنَفَهَا بِهِمْ وَهَذِهِ الشُّرُوطُ إنَّمَا تُعْتَبَرُ (لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ) وَهُوَ حَمْدُ اللَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِرَاءَةُ الْآيَةِ وَالْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ.
(وَتَبْطُلُ) الْخُطْبَةُ (بِكَلَامٍ مُحَرَّمٍ) فِي أَثْنَائِهَا (وَلَوْ يَسِيرًا) كَالْأَذَانِ وَأَوْلَى (وَلَا تُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَتَانِ) أَيْ طَهَارَةُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ، فَتُجْزِئُ خُطْبَةُ مُحْدِثٍ وَجُنُبٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ تَقَدَّمَ الصَّلَاةَ أَشْبَهَ الْأَذَانَ وَنَصُّهُ تُجْزِئُ خُطْبَةُ الْجُنُبِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَ بِالْمَسْجِدِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ لُبْثِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَاجِبِ الْعِبَادَةِ كَمَنْ صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ غَصْبٌ (وَلَا سَتْرُ عَوْرَةٍ وَإِزَالَةُ نَجَاسَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ) لِأَنَّ الْخُطْبَةَ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الصَّلَاةِ أَشْبَهَا الصَّلَاتَيْنِ (وَلَا حُضُورُ النَّائِبِ) فِي الصَّلَاةِ (الْخُطْبَةَ) كَالْمَأْمُومِ لِتَعَيُّنِهَا عَلَيْهِ.
(وَهُوَ) أَيْ النَّائِبُ (الَّذِي صَلَّى الصَّلَاةَ) أَيْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ (وَلَمْ يَخْطُبْ) لِصُدُورِ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِهِ.
(وَلَا أَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَتَيْنِ) رَجُلٌ (وَاحِدٌ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُخْرَى قَالَ فِي النُّكَتِ: فَيُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ تَصِحُّ مِنْ اثْنَيْنِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ) أَيْ الطَّهَارَتَانِ، وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَأَنْ يَتَوَلَّى الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةَ وَاحِدٌ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.